على مدى العقود الماضية، ارتكبت الدبلوماسية المغربية أخطاء استراتيجية جعلتها تعاني من عزلة متزايدة على الصعيدين الإقليمي والدولي، ووضعت موقفها أمام تحديات حاسمة لا تزال تتفاقم. هذه الأخطاء ليست مجرد تعثرات عابرة، بل تعبر عن غياب رؤية استراتيجية واضحة تعتمد الواقعية والعدالة كأساس لعلاقاتها الخارجية.
أحد أبرز هذه الأخطاء كان رهان المغرب على التطبيع مع إسرائيل كوسيلة لاستمالة دعم القوى الغربية، وخصوصًا الولايات المتحدة، لموقفها فيما يتعلق بالصحراء الغربية المحتلة. ومع أن هذه الخطوة أثارت جدلًا واسعًا داخل المغرب وخارجه، إلا أن ثمارها الموعودة لم تتحقق بالشكل المرجو. معظم المواقف الدولية، خاصة داخل الأمم المتحدة، لا تزال تدعو إلى احترام قرارات الشرعية الدولية وحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، وهو ما أثبت أن تطبيع العلاقات لم يكن سوى خطوة سياسية قصيرة النظر.
الرهان على القوة الناعمة والدعاية المكثفة كان أيضًا من الأخطاء الكبيرة للدبلوماسية المغربية. اعتمد المغرب على حملة إعلامية واسعة لترويج ما يسمى “مبادرة الحكم الذاتي” كحل نهائي لقضية الصحراء الغربية المحتلة. ورغم هذا الجهد الدعائي، فشل المغرب في تحقيق اختراق ملموس، خاصة داخل الاتحاد الإفريقي الذي يعترف بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية كعضو كامل الحقوق. هذا الفشل يعكس عدم قدرة الرباط على تغيير ميزان القوى لصالحها أو إقناع الأطراف الدولية بحلولها الأحادية.
تعمد المغرب أيضًا التصعيد ضد الجزائر بدلًا من السعي إلى الحوار والتعاون. سياسة العداء المستمرة تجاه الجزائر لم تفضِ إلا إلى تعميق الخلافات بين الجانبين وإضعاف فرص بناء اتحاد مغاربي متكامل. على النقيض، فإن استمرار الجزائر في الدفاع عن حق تقرير المصير للشعب الصحراوي أكسبها مكانة إقليمية ودولية أضعفت موقف المغرب وأظهرت محدودية خياراته السياسية.
من الأخطاء الاستراتيجية الأخرى التي ترتكبها الدبلوماسية المغربية، اعتمادها على تحالفات ضيقة ومحدودة مع بعض الدول الغربية مثل فرنسا والولايات المتحدة، متجاهلة القوى الصاعدة مثل روسيا والصين. هذا التوجه جعل السياسة الخارجية للمغرب رهينة للتحولات في العلاقات الدولية ومواقف الدول الداعمة له، مما أضر بقدرته على المناورة وإيجاد داعمين جدد لقضيته.
إضافة إلى ذلك، تعمد المغرب إغفال السياق القانوني والتاريخي فيما يتعلق بالصحراء الغربية المحتلة، مرتكزًا على روايات تفتقر إلى مصداقية كبيرة أمام المجتمع الدولي. محكمة العدل الدولية نفسها أكدت أن الوضع القانوني للصحراء الغربية لا يمنح المغرب حق السيادة عليها، وهو ما زاد من قوة موقف البوليساريو وداعميها أمام المحافل الدولية، خاصة بعد فشل المغرب في تقديم أدلة دامغة تدعم مطالبه.
الأساليب القمعية التي تبناها المغرب ضد المعارضين، سواء داخل البلاد أو في الخارج، شكلت هي الأخرى عائقًا كبيرًا أمام تحسين صورته الدولية. تقارير المنظمات الحقوقية أدانت بشدة الانتهاكات المغربية، مما عمّق من عزلة الرباط وساهم في خلق مزيد من التعاطف مع القضية الصحراوية بين الأطراف المحايدة في الساحة الدولية.
رغم الجهود الدبلوماسية المبذولة، تبقى مشاركة المغرب في المحافل الدولية ضعيفة التأثير، خاصة عندما يتعلق الأمر بقضية الصحراء الغربية المحتلة. تواصل التقارير الصادرة عن المنظمات الأممية والدولية دعمها لحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير، في وقت تعجز فيه الرباط عن كسب تأييد واضح لحلولها.
الخلاصة أن المغرب يواجه أزمة دبلوماسية حقيقية، نجمت عن سياسات قصيرة النظر ورهانات فاشلة. إذا أراد المغرب تجاوز هذا المأزق، فهو بحاجة إلى مراجعة شاملة لسياسته الخارجية، تعطي الأولوية للحلول السلمية، وتحترم حق الشعوب في تقرير مصيرها، وتعيد بناء العلاقات الإقليمية على أساس التفاهم والتعاون بدلًا من التصعيد.