خبر برس – رأي : إذا أردت أن تتكلم في السياسة فضع أمامك خريطة، قاعدةٌ أثيرة مُحببة عند صناع القرار، والمتأملُ لوضع منطقتنا يستحضر بالضرورة هذه القاعدة.
تحركاتُ الجزائر خارجيا منذ مجيء الرئيس عبد المجيد تبون للحكم، تعكس فهمَ الرجل باعتباره دستوريا صانع وموجه السياسة الخارجية الجزائرية لمفاتيح موقع الجزائر وتأثيرات تلك المفاتيح في النطاق الجغرافي لبلادنا، فصارت الجزائر مقصدا لمختلف الفواعل في لعبة السياسة الدولية لاستطلاع رأيها في أزمات المنطقة بعد تعافيها من إرث مرحلة تكلسٍ وجمودٍ فتحَ البابَ لدولٍ صغيرةٍ أن تطفوا على السطح وتتمظهر بمظهر المؤثر في سياقات اللعبة الدولية دون أن تُسعفها إمكانياتها لفعل ذلك، فكانت وكيلا لقوى كبرى لا أكثر.
حدد الرئيس الراحل هواري بومدين – رحمه الله – نظرية الأمن القومي الجزائري بقوله ” إن المغرب العربي والمنطقة الفاصلة بين داكار والقاهرة تمثل منطقة أمن بالنسبة للجزائر وأنه لا ينبغي أن يحصل أي تغيير في هذه المنطقة دون أن يكون للجزائر في ذلك رأي ورؤية..”.
سار خلفاء الرئيس بومدين كلٌ حسب ظروفه وقدراته وسياقات الممارسة السياسية في عهده تبعا لهذه القاعدة، ولعلنا لا نجانب الصواب إذا قلنا إن الرئيس تبون أكثر إدراكا لمتطلباتِ هذه القاعدة ومتطلباتِ العمل بمقتضاها والوقائع على الأرض تشير إلى ذلك.
كان لافتا تأكيد افتتاحية مجلة الجيش لعدد شهر أوت/ آب الجاري أن الجيش الجزائري قد حقق نتائج إيجابية برغم الاضطرابات الدولية والإقليمية وفي دول الجوار القريب، كلماتٌ على قلتها بينت فهم الجزائر لحقيقة ما يجري حولها والهدف من وراء ما يجري.
ففي ليبيا انسدادٌ سياسي مزمن وفي مالي وبوركينافاسو عملية تغيير لبوصلة البلدين وطرق تسييرهما، وهُزال سياسي في تشاد زادت من حدته أزمة السودان، وسعيٌ حثيث من فرنسا ومن لف لفها لفتح بابِ شرٍ مستطير على المنطقة من خلال تجييش دول إيكواس لاعتماد خيار القوة في معالجة أزمة النيجر، رغم أن لقاء بلينكن-عطاف قد حسم إلى حد بعيد الآلية الأسلم لحلحلة الأزمة من خلال الطرق السلمية، في توافقٍ واضحٍ بين أكبر دولة في العالم وأكبر دولة في المنطقة، توافقٌ ليس بغريب عن براغماتية سياسة الأمريكان الخارجية.
الرسالةُ التي نقرأها بين سطورِ كلمات افتتاحية الجيش أن الجزائر تدرك أن محصلةَ كل هذا هو السعيُ لاستنزافُ قدراتها عبر تلغيم محيطها الجيوسياسي للحد من عزمها الثابت على النهوض مجددا وممارسة دورها في نطاقها الجغرافي، وأنها قادرة على التعامل مع ذلك ومن هذا المنطلق جاء الرفض المشدد لأي عمل عسكري ضد النيجر الشقيق.
رأي | خبر برس